سجلت ليزا تراس رئيسة الوزراء البريطانية المنتهية ولايتها رقمًا قِيَاسِيًّا جديدًا لأقصر فترة ولاية لأي زعيم بريطاني في التاريخ حيث شغلت هذا المنصب لمدة 44 يومًا فقط.
ليزا تراس
منذ نشأتها تم تعريف Trass بطموح غير مقيد حيث تركت حزب المحافظين يمين الوسط في عام 2016 بعد أن كشفت انتخابات عام 2016 عن أغلبية مؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفعها طموحها إلى القيام به بعد أن تركت تقاليد عائلتها اليسارية للانضمام إلى الديمقراطيين الليبراليين الوسطيين حيث انضمت إلى الفصيل اليميني لحزب المحافظين المعادي للاستمرار في أوروبا بعد أن أصبحت مدافعة صغيرة عن ترك الاتحاد مما سمح لها ذلك برئاسة الحزب رغم حداثة تجربتها السياسية والتغير المتكرر في وجهات نظرها.
ومع ذلك كانت المشكلة التي واجهتها هي أنها تبنت نظرية اقتصادية يمينية تدعو إلى خفض الضرائب على الشركات والأثرياء من أجل تحرير الأموال للاستثمار الذي سيؤدي بدوره إلى نمو الاقتصاد وتوفير الوظائف والخدمات والسلع لأفراد المجتمع الأقل حَظًّا، ربما كانت هذه النظرية التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان ناجحة ولو في ظل ظروف اقتصادية وسياسية وعالمية مختلفة.
ليزا تراس هل طموحها الزائد السبب في هبوطها
ولم تعر تيراس اهتمامًا بالظروف الاستثنائية السائدة في بريطانيا، أو عدم الاستقرار العالمي، أو ارتفاع الإنفاق العسكري، أو الصعوبات المالية التي أحدثها جائحة كورونا في الدول المتقدمة، أو أخيرًا وليس آخرًا الغزو الروسي لأوكرانيا الذي نتج عنه انخفاض إنتاج الطاقة وارتفاع أسعار تلك المنتجات.
لم تأخذ في الاعتبار استجابة الأسواق المالية الدولية، التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد البريطاني، وخاصة تمويل الحكومة من خلال شراء سنداتها، وكانت تعتقد اعتقادا راسخا أن خطتها لتطوير الاقتصاد خلال العامين المقبلين من حياة الحكومة المحافظة ستنجح، ربما نتيجة تجربتها السياسية المحدودة أو افتقارها للخبرة في الشؤون الاقتصادية، أو اعتقادها أن التنمية الاقتصادية من خلال “النهج التدريجي” ستكون عاملاً رئيسياً في ترسيخ قيادتها والفوز في نهاية المطاف بالانتخابات. آت.
ليزا تراس وحملتها الانتخابية
لكن خلال حملتها الانتخابية فإن خصمها ريشي سواناك الذي حصل على الدعم من غالبية نواب حزب المحافظين لكفاءته في الإدارة المالية وفهمه للظروف الاقتصادية العالمية، بينما تلقن تراس دعمًا من غالبية الأعضاء، أظهر أن هذا كان الاعتقاد وهمًا أو تفاؤلًا مفرطًا، وخواء حججها الاقتصادية، وهكذا كان حزب المحافظين الذي كان له الكلمة الأخيرة في العملية يسيطر على اللوائح الانتخابية التي أنشأتها لجنة عام 1922 المسؤولة عن الإشراف على انتخاب الزعيم.
الإهمال مصيدة السقوط
أهملت أو ربما نسيت أن قيادة تاتشر تطورت على مدى فترة طويلة من الزمن، وفي ظل الظروف المختلفة لم تقفز إلى السلطة بين عشية وضحاها، خلال أزمة حكومية كما فعلت، لكنها كانت وزيرة التربية والتعليم لمدة أربعة أعوام قبل سنوات من أن تصبح رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر التي اشتهرت بقوة شخصيتها وصرامتها في اتخاذ القرار وعدم التراجع، وحصلت على لقب “السيدة الحديدية”.
العبرة من التجارب القديمة
عندما فشل اليسار في الانتخابات عادت النظريات السياسية اليمينية إلى الظهور وألقيت المسؤولية الكاملة على اليسار عن خسارتين متتاليتين في الانتخابات، وكانت تاتشر يمينية منذ بداية حياتها السياسية، بينما كان زعيم الحزب آنذاك إدوارد هيث ينتمي إلى الجناح اليساري.
وبعد الصعوبات التي واجهتها حكومة جيمس كالاهان العمالية لا سيما تلك التي سببتها النقابات بإضراباتها المتكررة فيما عُرف ب “شتاء الغضب” والذي أغضب الشارع البريطاني ضد حزب العمال فازت تاتشر في الانتخابات عام 1979 بعد أربع سنوات لقيادة حزب المحافظين في المعارضة وكانت النقابات هي منشئ حزب العمل والحليف الطبيعي والراعي، لكن كان لها أيضًا دور مباشر في الإطاحة بحكومته.
سياسة تاتشر
تضمنت سياسات تاتشر بيع مرافق الإنتاج المملوكة للدولة إلى القطاع الخاص، وتقليل قوة النقابات العمالية والتي زادت بشكل كبير في ظل إدارة العمل، وتقليل القيود واللوائح على حركة الاقتصاد، لا سيما من القطاع المالي، وواجهت في هذا المسعى عقبات سياسية واقتصادية عديدة أدت إلى ارتفاع معدل البطالة وزيادة الفقر.
جدير بالذكر أنه خلال فترة حكمها اندلعت احتجاجات وأعمال شغب صاخبة في العديد من الأحياء، بما في ذلك بريكستون في جنوب لندن وتوتنهام في شمال لندن، حيث يقيم الفقراء ومعظمهم من أصل أفريقي هذا لأنها أدرجت جميع جوانب الحزب في الإدارة وكانت تاتشر مدعومة من قبل حزبها على كلا الجانبين على الرغم من افتقارها إلى الشعبية لأنها قررت تعاملا بصرامة وحكمة مع هذه التحديات.
بعد ثلاث سنوات عاصفة من إدارة الحكومة والتعامل مع العديد من القضايا المعقدة، تمكنت تاتشر أخيرًا من ترسيخ مكانتها كقائدة للحزب وزعيمة الدولة وواصلت سياساتها الصارمة في تقييد عمل النقابات وتنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية جذرية على الرغم من شعبيتها الضعيفة، وحقيقة أنها لم تكن تتوقع إعادة انتخابها وعدم اهتمامها بهذا الموضوع.