أكدَ عبد اللطيف الجسمي، مدير إدارة حماية التراث الثقافي في متاحف قطر، أنه وعلى مدار السنوات الطويلة الماضية، قطعت متاحف قطر شوطًا كبيرًا في مسيرة الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، بداية من دراسة موقع الزبارة، ومن ثم إدراجه على قائمة التراث العالمي لليونسكو، إلى دراسة واكتشاف ما يزيد على 6000 موقع أثري، وحتى الحفاظ على المعالم الأثرية في شتى أنحاء قطر وترميمها. مشيرًا إلى أن الحفاظ على التراث لا يقتصر على التنقيب والتأهيل فحسب، فهناك إنجازات مهمة على مستوى تسجيل وتوثيق جزءٍ من ماضينا، حيث أنشأت متاحف قطر سجل قطر الوطني البيئي التاريخي ونظام إدارة معلومات التراث الثقافي لقطر، وهما أداتان لجمع البيانات حول تاريخنا وتراثنا. وتساهم هذه الجهود مجتمعة في الحفاظ على تاريخنا للأجيال المقبلة. موضحًا أن دولة قطر أدركت هذا الأمر منذ أمد طويل، فجعلت الحفاظ على التراث الثقافي واتخاذه مصدرًا ملهمًا للمستقبل جزءًا من نسيج حياتنا اليومية، وشددت على ذلك في رؤية قطر الوطنية 2030، ذلك لأنه سبيلنا لكي نروي قصتنا ونعزز مكانتنا في عالم يزداد استقطابًا.وأضافَ قائلًا: أؤمن بأنه لا سبيل لترجمة الفكر الإنساني إلى شيء مستدام تتوارثه الأجيال إلا بالحفاظ على ثقافتنا.
فبها نكتشف مصدر وجودنا ونتصل بماضينا، وتاريخنا البشري، وهويتنا المجتمعية. هذا وإلا فإننا قد نغامر بخسارة جزء مهم من هويتنا. حيث يشكِّل التراثُ الثقافي القيمَ والمعتقدات والطموحات، ويصوغ هوية الأمم ويوثِّق إنجازات أبنائها. فعندما أتأمل موقعًا كموقع الزبارة على سبيل المثال، لا أرى في قلعة الزبارة صرحًا مذهلًا أو في أطلال الزبارة مدينة قديمة فحسب، بل أستحضر في مخيلتي جدةً تجدلُ ضفائر حفيدتها، ومشهد الوداع الذي يجمع صائد اللؤلؤ بأسرته، واجتماع كبراء المدينة وهم يناقشون مسألة اتخاذ طرق جديدة للتجارة. وكل من يتأمل ذلك المنظر سيرى مشهدًا مختلفًا وسيستحضرُ روايةً مختلفة.
وأوضحَ أن التراث الثقافي هو نتيجة للحفاظ على تلك الذكريات القديمة والقيمة. ولهذا سيظلُ مفهوم الحفظ والحماية مرتبطًا به للأبد. ولا يُسمى التراث الثقافي تراثًا إلا إذا أورثَه جيلٌ سابق لجيلٍ حالي ليحافظ عليه وينقله إلى الجيل الذي يليه. وعلى الرغم من أن المتاحف بمثابة أوعية لحفظ الذكريات، فإن هناك من الذكريات ما لا يمكن تقديمه في صالات عرضها. تلك الذكريات قد تتمثل في طرق نسلكها، أو مبانٍ نمر بجانبها، أو في طريقة ارتدائنا الملابس، أو في حكايات نقصها على أطفالنا.وأشارَ إلى أنه من السُبل التي يمكننا، نحن الأفراد، الاحتفاء من خلالها بالتراث الثقافي هي النظر إلى ما هو أعمق وأبعد من الإطار الخارجي الظاهر للمعلم التراثي.
فعندما نتأمل معلمًا تراثيًّا، علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا يوجد بيننا؟ وأين كان؟ وماذا كان أثره في حياة أسلافنا؟ إذ ينبغي استحضار التاريخ والاستعانة به في تحفيز معارفنا وتحسين فهمنا للعالم الذي نعيش فيه. مضيفًا: لقد تعاقبت العديد من الحضارات على هذه المنطقة، وتعددت اللغات، والقيادات، والقبائل، وحركات التجارة، والثقافات التي مرت عليها واستقرت فيها. وشهد تاريخنا لآلاف السنين تغييرات مستمرة في الكثير من فصوله؛ وهي تغييرات تستحق أن ندرس تأثيرها وكيف أفضت إلى ما نحن عليه اليوم. محذرًا من خطورة التخلي عن حماية التراث الثقافي، والذي سيؤدي حتمًا إلى اختفائه مع مرور الوقت. أما إن حافظنا عليه فسنصنع حالة اندماج جميلة وفريدة وملهمة بين الماضي والحاضر والمُستقبل.