الهدنة في اليمن دخلت شهرها الثاني ولا تزال صامدة رغم ادعاءات كل طرف بخرقِها من قِبل الطرف الآخر، واستمرار الآلة الإعلامية والخطاب السياسي لطرفي الهدنة في شيطنة الآخر، وعدم توقف لغة التهديد والوعيد بالحسم العسكري في حال عدم الالتزام بشروط الهدنة، في حين يبدي المبعوث الأممي إلى اليمن تفاؤلًا خجولًا، بأن تحقق الهدنة نجاحًا لجهة تحقيق اختراق في جدار الحرب في اليمن على صعيد الدفع بالأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات، وقبل ذلك تمديد الهدنة القائمة التي تنتهي مع نهاية الشهر الحالي، ولأن الهدنة القائمة تمت وفق مبادرة المبعوث الأممي وافقت عليها الأطراف اليمنية، ولم تأتِ باتفاق بينها، فهي مرهونة بما يحققه المبعوث الأممي من تقدم لجهة إقناع أطراف الصراع بتقديم تنازلات كبيرة لإنجاح محاولاته في تمديد الهدنة، وتنفيذ ما لم يتم تنفيذه من بنودها -إذا ما تم تنفيذه- كان أقل بكثير مما كان يتوقعه اليمنيون، ويقلل من مخاوفهم حيال ما يمكن حدوثه بعد انتهاء هذه الهدنة حتى وإن كان المتحاربون قد تعبوا من حرب استنزفتهم لسبع سنوات، وأتعبت اليمن وشعبه وأنهكت هذا البلد ودمرت مكاسبه ومقدراته، وخلفت مآسيَ وجروحًا غائرة في قلوب اليمنيين.
– وفي حال تحققت مخاوف اليمنيين وفشلت الهدنة الراهنة في إقناع المتحاربين بأهمية تمديدها فإن المرجح أن يستأنف المتحاربون حربهم بشراسة أكثر من ذي قبل، وهو ما لا يتمناه السواد الأعظم من اليمنيين الذين ضاقوا ذرعًا من هذه الحرب بما خلفته من كوارث حقيقية ومآسٍ إنسانية غير مسبوقة وحرمت اليمنيين من مقومات الأمن والاستقرار وأفقدتهم أبسط حقوقهم في الحصول على الخدمات الضرورية والحقوق المشروعة المتمثلة في الحصول على مياه الشرب والكهرباء والعلاج وفرص العمل، بالإضافة إلى معاناة الملايين من الموظفين والمتقاعدين نتيجة انقطاع الرواتب لسنوات عديدة وارتفاع كلفة المعيشة التي أرهقت اليمنيين وضاعفت من معاناتهم، في حين تسببت الحرب في توقف عجلة التنمية وحركة الإنتاج وارتفاع نسبة البطالة والفقر وتدهور نظام التعليم إلى نسب مخيفة، كما تسببت في استنزاف موارد هذا البلد وانهيار النظام المصرفي، ليحل مكانه اقتصاد الحرب ونظام الجبايات وغياب مؤسسات الدولة التي فقدت دورها وقدرتها لجهة إدارة شؤون الدولة والدفاع عن حقوق ومصالح الناس.
إن انتهاء الهدنة الراهنة في اليمن بالشكل والمسار الذي هي عليه اليوم لا شك ينبِئ بكارثة استئناف الحرب، وبالتالي مزيد من التعقيد والصعوبة لأي محاولة أممية أو إقليمية أو دولية لبناء جسور الثقة بين أطراف الصراع من أجل إمكانية تحقيق توافق على الحوار والتفاوض بهدف التوصل إلى صيغ توافقية تؤدي إلى تحقيق السلام وإنهاء الحرب، التي قلنا بأن كل طرف يخوضها باسم الشعب اليمني والمؤكد أن هذا الشعب بريء من هذه التهمة الجائرة، وهو يحتاج إلى السلام وإلى استعادة أمنه واستقراره ووطنه أكثر مما يسعى المتحاربون إلى استمرار حربهم باسمه، وحين تصبح الحرب مفروضة على الشعب فهو الظلم بعينه، ويكفي ما يعانيه اليمنيون من معاناة لم يكونوا يستحقونها، ويكفي هذا البلد من المآسي والأحزان والدمار ما يحتم على أطراف الصراع التوقف عن خوض حروبهم وصراعاتهم نيابة عن الشعب، في حين أنه هو الضحية، وبالتالي فإنه يتوجب تحكيم العقل إن لم تكن الأولوية لاحترام إرادة شعبهم ومصالح وطنهم لأن التاريخ لا يرحم، والشعوب مهما وهنت أو ضعفت لا تصفح ولا تنسَى.