إن الجمال أينما وُجد وفي أية صورة تجلّى لا بد أن ينال من انتباهنا قدرًا، وذلك بكل بساطة لأن تأثيره قد يتخطّى حدود الشكل في اجتذاب العين فقط، ليلامس فيما يظهر عليه من أقوال وأفعال حس الذوق أيضًا، فيرسم في الأذهان انطباعًا عن صاحبه، وإن كان أوليًا في الحكم، لكنه يبقى الأشدّ وقعًا والأكثر مرجعية لكل ما يأتي بعده.
وشخصيًا، فأن تدرك بشكل واعٍ غير مبالغ فيه وجود الجمال النوعي والكمي بداخلك، وأن تعمل على رعايته وتعزيزه بشكل مستمر، سوف يكون له دور كبير في أي انطباع قد تتركه لدى الآخرين، لما تمتلكه من جمال ومخزون فكري، وتوجّه اجتماعي ومستوى أخلاقي.
وبعيدًا عن الجمال الخارجي الذي هو من صنع الله سبحانه وتعالى، فإن الحديث في هذا السياق هو عن أهمية وجود الجمال في أخلاقنا وأثر الاستفادة من وجوده، هذا على مستوى الرقي في كل ما يصدر عنا من أقوال وفيما نؤدّيه من أفعال وتصرّفات.
نعم إن الأخلاق هي كلمة محدودة الأحرف لفظًا وكتابة، ولكنها قاموس ومرجع بما تحمله في جعبتها من معانٍ نبيلة وسجايا فضيلة ولصورها التي تظهر بها أمام النفس، وأمام الغير والحياة ككل، ما لا يمكن حصرها وتعدادها بل فقط إدراك وجودها والشعور بجمال تأثيرها الذي يتخطى صاحبه ليطالَ كل من حوله.
فعلى مستوى الذات، ومن بين كافة القيم الداخليّة التي قد تتمتّع بها، فإنه ليس هنالك أسمى من حُسن الخُلق، فهو النواة التي يدور في فلكها الكثير من الصفات الحسنة الأخرى كالصدق، والاحترام، وأداء الأمانة، والوفاء وغيرها مما لا يُعدّ ولا يُحصى، وبمقدار قوة هذه النواة سوف تستمدّ سائر الصفات الحسنة الأخرى قوتها وثباتها، وسوف تشكل مجتمعة الميزان الذي يحمي عقلانيتك في تقدير الأمور ويقيك أي تسرّع، وسوف تكون الرادع الذي يلجم أي تهوّر قد تدفعك النفس إليه أو على الأقل يحدّ منه، ولن تجد معها نفسك إلا وهي في منطقة الأمان والهدوء النفسي، وهذا كفيل بأن يجعلك بعيدًا بأكبر قدر ممكن عن التوتّر والندم.
إنه يكفي صفة حسن الخُلق شرفًا أنها الصفة التي اختارها الله سبحانه وتعالى ليخاطب نبيه محمدًا، صلى الله عليه وسلم، عندما وصفه سبحانه وتعالى بأنه على خُلق عظيم، وهذا ما يجب أن ننطلق منه، فنعمل على تحسين خُلقنا وتهذيبه، مدركين أن كل ما سيتأتى عن تمتعنا بهذه الصفة وعن تأثيرها لا يمكن إلا أن يكونَ عظيمًا.