تشير المفاوضات في فيينا إلى عودة الولايات المتحدة وإيران للاتفاق النووي الموقع عام 2015، وإلى توصل الأطراف المختلفة إلى التفاهمات المطلوبة، في ظل الحديث عن إحراز تقدم كبير.
وحيال ذلك، أوصى تقرير -صادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي” بجامعة تل أبيب- الحكومة الإسرائيلية بعدم الصدام مع الولايات المتحدة الأميركية في حال أفضت مفاوضات فيينا إلى توصّل واشنطن إلى اتفاق بشأن الملف النووي مع طهران.
ووفقا للباحثين في المعهد، فإن مفاوضات فيينا تتقدم نحو عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018، ومن المرجّح أن يتم التوقيع على الاتفاق قريبا.
وأوصى التقرير الحكومة الإسرائيلية -برئاسة نفتالي بينيت- “بالامتناع، قدر الإمكان، عن الدخول في مواجهة علنية ووجها لوجه مع الإدارة الأميركية، حتى لو تم توقيع اتفاقية جديدة مع إيران”.
وتأتي هذه التوصية، على الرغم من الموقف المبدئي لتل أبيب المعارض لمثل هذا الاتفاق، وتكرار لهجة الوعيد والتهديد التي عبّر عنها رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، الذي أكد مرارا أن “أي اتفاق مستقبلي لا يلزم بلاده التي ستواصل جهودها لاستهداف البرنامج النووي الإيراني”.
وبرر معهد أبحاث الأمن القومي توصيته -التي تدعو إلى الامتناع عن الصدام والمواجهة مع الولايات المتحدة- بإمكانية أن توظف روسيا الأزمة الأوكرانية للضغط على واشنطن عبر استعمال الساحة السورية لتوضّح للولايات المتحدة أن لديها الرافعات لتفجير ساحات أخرى فضلا عن أوروبا الشرقية، وأهمها الساحة السورية التي تعني إسرائيل.
تناغم بينيت وبايدن
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي الباحث المتخصص في الشؤون العربية والفلسطينية، يواف شطيرن، أن الموقف المبدئي لمختلف الحكومات الإسرائيلية يكمن في معارضة واستهداف البرنامج النووي الإيراني، مع استهدافه من وراء الكواليس.
وحسب شطيرن، لم يتغير هذا الموقف منذ عهد الرئيس باراك أوباما، وعبرت عنه حكومة بنيامين نتنياهو التي اختارت إقناع الرئيس السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي.
بيد أن المتغير في ظل مفاوضات فيينا، يقول شطيرن للجزيرة نت، “هو التناغم والتنسيق بين حكومة نفتالي بينيت وإدارة الرئيس الأميركي جو بادين، والامتناع عن الصدام والمواجهة العلنية مثلما كان بعهد حكومة بنيامين نتنياهو”.
وتحدّث شطيرن عن مصلحة متبادلة بين إدارة بايدن وحكومة بينيت بعدم الصدام والإظهار للعالم بأن هناك تناغما وتنسيقا وتعزيزا للحلف بين البلدين، بغية تبديد الرواسب التي خلفتها ممارسات ونهج حكومة نتنياهو بالملف النووي الإيراني، خاصة بعد الرئيس أوباما بالذات.
ويعتقد الصحفي الإسرائيلي أن حكومته تعتمد في الملف النووي الإيراني نهج الدبلوماسية مع واشنطن؛ من أجل عدم إحراج إدارة بايدن، وبغية إقناعها بمضاعفة الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، وكذلك من أجل عدم استفزاز البيت الأبيض وتجنب ضغوطاته على حكومة بينيت الهشة للعودة للمفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين.
وشكّك شطيرن في الطرح الذي يتحدث عن تناقضات بين إستراتيجية تل أبيب بالتوجه نحو عدم الصدام مع واشنطن، وتهديدات حكومة بينيت بأن العودة للاتفاق النووي لا يلزمها وأنها ستواصل جهودها وعملها لإحباط الترسانة الصاروخية والمشروع النووي الإيراني، وتقويض نفوذ طهران وتموضعها العسكري بالشرق الأوسط.
ووفقا لهذه الإستراتيجية، يقدر شطيرن أن إسرائيل بمختلف أذرعها لن تسمح لإيران بأن تصبح دولة نووية، قائلا إن “الدبلوماسية الإسرائيلية نجحت بعهد وزير الخارجية يائير لبيد في الترويج إلى أن إيران النووية تشكل خطرا مشتركا على الدول العربية والغربية، وعلى هذا الأساس عززت حكومة بينيت، بشكل غير مسبوق، تحالفاتها بموجب الخطر المشترك مع دول عربية وإسلامية”.
ساحتا أوكرانيا وسوريا
مع توارد الأخبار التي ترجح عودة واشنطن للاتفاق النووي، والعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، وما سبقها من حوادث استهداف المنشآت النووية الإيرانية، يرى مدير معهد “ميتفيم” المتخصص بالسياسات الخارجية للشرق الأوسط وإسرائيل، نمرود جورون، أن الحكومة الإسرائيلية لا تملك القدرة على التأثير في سير مفاوضات فيينا، في حين تولي الإدارة الأميركية أهمية كبيرة للعودة إلى الاتفاق النووي.
ويقول جورون إن هذا الواقع يصطدم بتداعيات وتطورات الحرب على أوكرانيا، والوجود الإيراني على الأراضي السورية، حيث تهدف الإجراءات الروسية في سوريا إلى التوضيح للحكومة الإسرائيلية أن الانحياز لطرف في الأزمة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) ينطوي على مخاطر بالنسبة لإسرائيل.
ومع تفاقم أزمة أوكرانيا، يقول جورون إن “الأطراف تحاول منع التوترات من الانتشار إلى مفاوضات فيينا أيضا، حيث ليس مستبعدا أن تضع روسيا عراقيل أمام التقدم في المحادثات للعودة للاتفاق النووي، وذلك كورقة ضغط على الولايات المتحدة بشأن القضية الأوكرانية”.
وعليه، من المهم بالنسبة لحكومة بينيت لكي لا تحرج البيت الأبيض، وكيلا تتعرض لضغوطات من قبل إدارة بايدن بالملف الفلسطيني، “ألا يتم تصوير إسرائيل، حتى على خلفية الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، وكأنها تدير حملة مناهضة ضد واشنطن بمفاوضات فيينا”، كما يقول جورون.
وبرأيه، فإن تعبير حكومة بينيت عن الموقف المبدئي المعارض للمشروع النووي الإيراني وتكرار التهديدات لطهران سيدفع نحو التقاء المصالح بين البلدين، خاصة مع مصلحة إسرائيل بالإبقاء على الحوار الوثيق مع الإدارة الأميركية لتنسيق المواقف والخطوات ضد إيران حتى وإن كانت من وراء الكواليس.
ويوضح جورون أن ممارسة القوة ضد طهران، حتى لو أدت إلى عرقلة وإبطاء وتيرة تطوير البرامج الإيرانية النووية والصاروخية، فلم تتمكن بعد من تحويل قوات “المحور الإيراني” عن مسارها وتقويض قدراتها، خاصة بسوريا.
وعليه، من المهم بالنسبة لإسرائيل الاستمرار بعلاقات متينة مع واشنطن، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران.