أعلنت دائرة العلاقات والإعلام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق الفدرالي 19 مايو/أيار 2021 أن العراق حقق زيادة في نشر البحوث في التخصصات المختلفة في قاعدة بيانات “سكوبس” (SCOPUS) العالمية، حسب إحصاءات عام 2020. فلقد جاء العراق -حسب عدد البحوث المنشورة في التخصصات المختلفة في قاعدة بيانات سكوبس- في الترتيب 45 من مجموع 234 دولة على مستوى العالم، في حين كان ترتيبه السادس من مجموع 16 دولة على مستوى الشرق الأوسط (بعد كل من إيران، تركيا، السعودية، مصر، إسرائيل)، بينما جاء في المرتبة الثالثة من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية بعد كل من السعودية ومصر.
من النظرة الأولى على الأرقام المعلنة بشأن موقع العراق في الترتيب من الناحية الكمية في عدد البحوث المنشورة ضمن قاعدة بيانات سكوبس، يمكن الاستنباط بأنها تقع في الربع الأول ويكون ترتيبها جيدا إلى حد ما سواء على مستوى الشرق الأوسط والدول العربية أو العالم، ويرجع ذلك لكون الأسباب مقنعة ومنطقية عند مقارنة العراق مع الدول التي سبقتها، وذلك لكونها دولا كبيرة ولديها تجربة أفضل وفترة استقرار أكثر بالمقارنة مع العراق.
لكن السؤال المطروح هو هل سيحافظ العراق على ترتيبه على مستوى العالم والشرق الأوسط والدول العربية وهل سوف يتغير عند النظر إليه من زاوية استخدام بعض مؤشرات الجودة الأخرى المتعارف عليها، ومنها “الاستشهادات المرجعية الكلية” (Citations)، “الاستشهادات المرجعية الذاتية” (Self-Citations)، صافي الاستشهادات المرجعية بعد “استبعاد الاقتباس الذاتي” (Without Self-Citation)، متوسط عدد “الاستشهادات المرجعية لكل بحث منشور” (Citation Per Documents) و”مؤشر هيرش” (Hirsch index)؟
إن استخدام المؤشرات الخمسة الأخرى جاء ليكون معامل التأثير الذي يقيس التأثير العلمي للمجلات عن طريق معرفة الاستخدام المتكرر للبحوث والدراسات المنشورة في مجلة ما من قبل بحوث ودراسات علمية منشورة في مجلات أخرى خلال فترة زمنية محددة، ضمن قاعدة البيانات نفسها أو غيرها؛ فهذه الاستشهادات المرجعية تعد المعيار الرئيس في معامل التأثير والمقياس الحقيقي لجودة ورصانة المجلة. وفي الوقت الحالي، يوجد العديد من قواعد البيانات التي توفر معلومات حول النتاج العلمي للباحثين وعدد الاستشهادات المرجعية لأبحاثهم منها شبكة العلوم وسكوبس باعتبارهما شركات مختصة في إصدار ومتابعة معامل التأثير لكل مجلة، كمقياس لجودتها باستخدام الاستشهادات المرجعية.
إن شبكة العلوم -المعروفة سابقا بشبكة المعرفة- تعتبر من أهم وأرقى قواعد الاقتباس الرائدة في العالم في الوقت الراهن، التي تم تقديمها في الأصل من قبل معهد المعلومات العلمية، والتي تم تحديثها حاليا من قبل شركة “كلاريفيت” (Clarivate)، والتي كانت سابقاً قبل عام 2008 من حقوق الملكية لـ”تومسون رويترز” (Thomson Reuters)، وهي أقدم فهرس ببلوغرافي للمراجع والمجلات العلمية في العالم وتقوم بتغطية شاملة لأكثر من 100 عام، حيث تعد الشبكة المستخدم الرئيسي لمعامل التأثير في سنة ما من خلال متوسط عدد الاستشهادات المرجعية للبحوث المنشورة في مجلة ما خلال وقت محدد بالسنتين الماضيتين فقط، وذلك للمجلات المسجلة والبحوث المفهرسة في داخل الشبكة فقط.
بينما تعد قاعدة بيانات سكوبس -التي تأسست عام 2004 من قبل “إلسيفير” (Elsevier)- من أهم وأضخم قواعد البيانات الخاصة للملخصات والاستشهادات المرجعية من البحوث والكتب ووقائع المؤتمرات وتقدم رؤية شاملة لمخرجات البحث العلمي العالمي في مجالات مختلفة لأكثر من 5 آلاف ناشر، وتستخدمها أكثر من 3 آلاف مؤسسة أكاديمية وحكومية ومؤسساتية. حيث تستخدم سكوبس معامل “سايت سكور” (CiteScore) كمعامل التأثير في سنة ما من خلال متوسط مجموع الاستشهادات الواردة في الأوراق (البحوث، الكتب، المؤتمرات، فصول) المنشورة في السنوات الأربع السابقة مقسوما على مجموع البحوث المنشورة في الفترة نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أشارت دراسات كثيرة إلى أن الاستشهادات المرجعية تعتبر مؤشرا أساسيا للجودة العلمية 6، وفي قياس وتقييم الأداء والتميز البحثي للمؤسسة أو النتاج العلمي الفردي للتدريسين في منهجية أغلب التصنيفات العالمية الرائدة للجامعات وعلى مستوى جميع التخصصات المختلفة ومنها تصنيف (أروو، كيو إس، سيماكو، راوند، ليدن، يوراب، مركز التصنيف العالمي ويو إس نيوز).
وللإجابة على التساؤل المطروح في البداية، فإنه لا بد من مراجعة وإعادة الترتيب لتحديد موقع العراق في قاعدة بيانات سكوبس باستخدام بعض مؤشرات الجودة الأخرى بدلاً عن مؤشر الكمية (عدد البحوث المنشورة) فقط والتي تظهر الآتي:
- حسب معيار عدد الاستشهادات المرجعية فإن موقع العراق يتراجع إلى الترتيب الـ52 من مجموع 234 على مستوى العالم، وإلى الترتيب السابع من مجموع 16 دولة على مستوى الشرق الأوسط، بينما جاء في الترتيب الرابع من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية؛ وبذلك يتأخر العراق عدة مراتب حسب هذا المعيار.
- حسب معيار “صافي الاستشهادات المرجعية الذاتية” فإن العراق جاء في الترتيب الـ52 من مجموع 234 دولة على مستوى العالم، وفي الترتيب السادس من مجموع 16 دولة على مستوى الشرق الأوسط، بينما جاء في الترتيب الثالث من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية بمجموع صافي الاستشهادات المرجعية 4357، وبذلك جاء العراق في ترتيب أقل وفق هذا المعيار؛ وذلك لأنه كلما زاد عدد الاستشهادات المرجعية الذاتية تصبح البحوث أقل جودة نتيجة تكرار استخدامها من قبل الباحثين أنفسهم.
- حسب معيار صافي الاستشهادات المرجعية بعد استبعاد الاقتباس الذاتي يصبح موقع العراق في الترتيب الـ62 من مجموع 234 دولة على مستوى العالم وفي الترتيب الثامن من مجموع 16دولة على مستوى الشرق الأوسط، في حين جاء في الترتيب السابع من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية بمجموع صافي الاستشهادات المرجعية 6368، ووفق هذا المعيار يتراجع العراق عدة مراتب إلى الوراء.
- حسب معيار عدد الاستشهادات المرجعية لكل بحث منشور الذي يقيس متوسط الاستشهادات المرجعية لكل بحث منشور خلال فترة معينة، فقد سجل العراق أسوأ ترتيب مقارنة مع بقية المؤشرات ليأتي في المرتبة الـ198 من مجموع 234 على مستوى العالم، وفي المرتبة الأخيرة من مجموع 16 دولة على مستوى الشرق الأوسط، بينما أصبح ترتيب العراق الـ19 من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية، وبذلك سجل العراق المرتبة الأسوأ وفق هذا المعيار.
- حسب معيار هيرش الذي يقيس التأثير العلمي للبحوث المنشورة، يتراجع العراق إلى الوراء بمراتب كثيرة ليصبح في المرتبة الـ102 من مجموع 234 على مستوى العالم، بينما كان ترتيبه الـ12 من مجموعة 16 دولة على مستوى الشرق الأوسط، وحلّ في الترتيب الـ12 من مجموع 21 دولة على مستوى الدول العربية، وبذلك تراجع العراق مراتب كثيرة جدا مقارنة ببقية الدول وفق هذا المؤشر.
هناك تساؤل يثار لماذا التركيز على قاعدة بيانات سكوبس والتصنيفات الدولية المرتبطة بها، وليس على شبكة العلوم والتصنيفات المرتبطة بها؟ الجواب يكمن في أن معايير الأخيرة أصعب بكثير والمؤسسات الأكاديمية العراقية في أحسن الأحوال لم تتجاوز عدد أصابع اليد فيها، ولذلك يكون من الحكمة والمنطق -كخطوة أولى- التركيز على قاعدة بيانات سكوبس، التي من الممكن زيادة النتاج البحثي فيها من قبل العراق واستغلال الفرصة المتوفرة لتحسين ترتيب العراق، لكون معاييرها أسهل ومن ثم التركيز بعد فترة من الزمن على قاعدة بيانات شبكة العلوم.
وعلى ضوء ما سبق وللإجابة على التساؤل المطروح في البداية، فإن موقع العراق في الترتيب قد تغير وتراجع بمراتب كثيرة وبنسب متفاوتة سواء على مستوى العالم أو الشرق الأوسط أو الدول العربية عند استخدام معايير الجودة الخمسة الأخرى، حيث سجل العراق أسوأ ترتيب في معيار عدد الاستشهادات المرجعية لكل بحث منشور ومعيار هيرش، بينما كان التراجع بمستويات أقل في المعايير الثلاثة الأخرى. هذا فضلاً عن عدم الأخذ بعين الاعتبار معيار عمق التنوع والربط الدولي في التعاون الأكاديمي مع الباحثين الأجانب في البحوث المنشورة أو عدم استخدام أي معيار يقيس دور هذه البحوث في معالجة مشاكل المجتمع المحلي وربطها مع القطاعات المختلفة.
وبناء على كل ماورد أعلاه، فعلى الجهات المعنية القيام ببعض الخطوات المطلوبة، ومنها:
- ضرورة أن تأخذ الجهات المعنية بعين الاعتبار مؤشرات الجودة الخمسة (عدد الاستشهادات المرجعية، الاستشهادات المرجعية الذاتية، الاستشهادات المرجعية بعد استبعاد الاقتباس الذاتي، عدد الاستشهادات المرجعية لكل بحث منشور، معيار هيرش)، وعدم الاكتفاء بعدد البحوث المنشورة فقط في حساب الترتيب، حتى يكون التخطيط سليما ممكنا ومبنيا على الواقع أكثر.
- إعادة النظر في كافة التعليمات الخاصة بعملية نشر البحوث وأنظمة الحوافز والترقيات العلمية، على أن تصب جميعها ليس في زيادة عدد البحوث المنشورة فقط من قبل الباحثين العراقيين في سكوبس، وإنما يتم الأخذ بالحسبان جميع المؤشرات الخمسة الأخرى في الجودة.
- ضرورة قيام الجهات المعنية بتشخيص الأسباب الفعلية وراء ضعف جودة النتاج البحثي في قاعدة بيانات سكوبس، من أجل تقليص الفجوة بين العراق والدول الموجودة في الشرق الأوسط والدول العربية.
- البدء بالخطوات التطبيقية والعملية لتقليل نسبة الاقتباس الذاتي التي ازدادت في الآونة الأخيرة عند الباحثين وذلك لتجنب تحويلها إلى ظاهرة في المؤسسات العراقية وتصبح من الاستحالة السيطرة عليها.
- ضرورة إنشاء فرق عمل ومراكز ومختبرات بحثية لتحسين جودة النتاج البحثي، حسب مؤشرات الجودة الخمسة في قواعد البيانات الدولية كسكوبس وغيرها.
- إقامة الدورات والندوات للملاكات الأكاديمية والتدريسية في الجامعات حول كيفية استخدام المنهجية البحثية السليمة مع توعيتهم بدور وأهمية النشر في قواعد البيانات الدولية كسكوبس وخاصة في التخصصات الإنسانية.
- بالنسبة للتخصصات العلمية الصرفة والتطبيقية، اقتصار النشر على المجلات التي تقع في الربع الأول (Q1)، مع إمكانية إضافة مجلات الربع الثاني (Q2) بالنسبة لتخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية.