استغلت الحكومة الإسرائيلية استفحال الأزمة الأوكرانية والغزو الروسي، وأعلنت عن “خطة طوارئ” من أجل استقدام اليهود من هناك.
وبدأ تنفيذ هذه الخطة بوصول 87 يهوديا من كييف إلى تل أبيب قبل الغزو الروسي بأيام. ويُقدّر تعداد الجالية اليهودية هناك بقرابة 200 ألف نسمة.
وأعلنت الحكومة الإسرائيلية عن جهوزية مختلف الوزارات والجيش والوكالة المسؤولة عن استقدام اليهود، لاستيعاب موجة الهجرة من أوكرانيا، وإجلاء نحو 8 آلاف إسرائيلي من كييف، وطلبت تل أبيب مساعدة موسكو لإجلائهم بعد إغلاق المجال الجوي لأوكرانيا.
ووفقا لـ”خطة الطوارئ”، التي كشفت تفاصيلها صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، فعند الضرورة ستستقدم إسرائيل 5 آلاف يهودي من أوكرانيا في أسبوع واحد، وهو عدد أكبر بكثير مما اعتادته وزارة الاستيعاب والهيئات المسؤولة في إسرائيل.
هجرات مستمرة
وفي العقد الأخير، أظهرت بيانات الوكالة اليهودية أنه منذ عام 2010 حتى ديسمبر/كانون الأول 2019 هاجر نحو 255 ألف يهودي إلى إسرائيل من 150 دولة تصدّرتها روسيا وأوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإثيوبيا.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للإحصاء أنه منذ نكبة فلسطين عام 1948 حتى عام 2020 قدم نحو 3.4 ملايين مهاجر يهودي إلى البلاد، 43.7% منهم هاجروا إلى البلاد منذ عام 1990.
وارتفعت الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بنسبة 31% في عام 2021، مقارنة بالعام الذي سبقه، فقد تم استقدام 20 ألفا و360 يهوديا، حسب إحصاءات وزارة الهجرة والوكالة اليهودية.
وحسب الوكالة، يبلغ عدد اليهود في العالم نحو 14.5 مليون نسمة، من بينهم 6.8 ملايين في إسرائيل، ونحو 5.4 ملايين في الولايات المتحدة، ونحو 460 ألفا في فرنسا، ويتوزع الباقون في دول عديدة بخاصة في أوروبا الغربية.
الحركة الصهيونية والأطماع بفلسطين
عمدت الحركة الصهيونية في القرن الـ19 حتى النكبة، ثم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إلى توظيف الحروب والأزمات العالمية في تعزيز الاستيطان اليهودي على حساب الشعب الفلسطيني، واستقدام اليهود إلى فلسطين التاريخية.
وكان الانتداب البريطاني محطة فاصلة للحركة الاستيطانية وهجرة اليهود إلى فلسطين عقب وعد بلفور عام 1917، الذي مثّل رافعة أولى لهجرات اليهود إلى فلسطين.
حتى النكبة (1948) عمدت الحركة الصهيونية، بالتعاون مع الانتداب البريطاني، إلى تنفيذ 5 حملات لاستقدام اليهود من أنحاء العالم وإحلالهم مكان السكان العرب الفلسطينيين.
وفي عام 1882، وضعت الحركة الصهيونية خريطة طريق للهجرات اليهودية واستغلت الأحداث والأزمات العالمية للشروع في تنفيذها، فقد هاجر نحو 10 آلاف يهودي من روسيا في أعقاب اغتيال قيصر روسيا، ألكسندر الثاني، وما تبعه من حوادث اضطهاد لليهود بسبب دورهم في اغتيال القيصر.
واستغلت الحركة الصهيونية قضية ألفرد درايفوس، الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي الذي قُدم للمحاكمة في عام 1894 بتهمة تسريب ونقل أسرار عسكرية عن الجيش الفرنسي إلى ألمانيا، وتسبب ذلك في موجة من العداء لليهود في فرنسا، فنُقل نحو 30 ألف مهاجر يهودي من باريس إلى فلسطين.
منذ الاستعمار البريطاني
بعد انهيار الدولة العثمانية ومع بدء الاستعمار البريطاني، انتعشت حركة الاستيطان اليهودي والهجرة إلى فلسطين التي شهدت في عام 1923 الموجة الثالثة لهجرة اليهود، حيث استغلت الثورة البلشفية في روسيا لاستقدام 35 ألف مهاجر، في حين استمرت الموجة الرابعة للهجرة حتى عام 1932 وكان محورها أميركا حيث هاجر نحو 62 ألف يهودي.
وفي الموجة الخامسة التي استمرت حتى 1938 وظّفت الحركة الصهيونية بداية عهد النازية وحكم هتلر في ألمانيا، وأخذت تنقل إلى فلسطين أفواجا من اليهود من جميع أنحاء العالم على نحو لم يسبق له مثيل، وهو الذي فجر الثورة الفلسطينية عام 1936، احتجاجا ورفضا لمصادرة الأراضي ومشاريع التهويد والاستيطان واستقدام 174 ألف مهاجر، وبذلك بلغ تعداد اليهود في فلسطين 370 ألف يهودي.
وتخللت الموجات الخمس قبل النكبة حملات هجرة سرّية لليهود الشرقيين (السفارديم من أصول أوروبية) واليهود من أصول عربية كاليمن والحبشة وأفريقيا الشمالية وتركيا وإيران، في فترة الأربعينيات. وبلغت حصيلة الهجرة اليهودية إلى فلسطين حتى عام 1948 نحو 650 ألف يهودي.
عقب النكبة
بعد احتلال فلسطين في النكبة، وسلسلة المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني وتهجيره قسرا وسلب أرضه وعقاراته وممتلكاته، وتدمير 54 قرية وبلدة فلسطينية، استُقدم حتى عام 1967 نحو 1.3 مليون يهودي من أنحاء العالم، شكلوا الحجر الأساس للمشروع الصهيوني بفلسطين.
ومنذ النكبة وقيام إسرائيل في 1948 حتى نهاية سنة 2020، نما عدد اليهود نموا سريعا وتضاعف نحو 10 مرات، فقد أسهم ميزان الهجرة بصورة عامة في نصف الزيادة السكانية لليهود، والزيادة الطبيعية في النصف الآخر، وبات اليهود يسيطرون على 97% من مسطحات الأراضي داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية والقدس المحتلتين يتحكمون بنحو 60% من مساحة الأراضي.
وعلى الرغم من مرور 74 عاما على النكبة وإنشاء إسرائيل على أنقاض فلسطين وأرضها وشعبها، يتضح أن اليهود في معظمهم مهاجرون مستوطنون فلا يزال نحو 41% منهم من مواليد خارج البلاد، ونحو 38% من مواليد البلاد لكن آباءهم ولدوا في الخارج، و21% فقط من اليهود ولدوا هم وآباؤهم في فلسطين.
استقدام الفلاشا
استغلت إسرائيل الصراعات والحروب في أفريقيا، وعمدت في مطلع السبعينيات إلى الاهتمام باليهود من أصول أفريقية، و”الفلاشا” (يهود إثيوبيا) على وجه الخصوص، رغم تشكيك بعض الحاخامات والشخصيات الإسرائيلية بيهوديتهم واعتبار جذورهم نصرانية.
ويعيش في إسرائيل نحو 90 ألف يهودي إثيوبي، منهم قرابة 20 ألفا ولدوا في البلاد، ويقيمون في المناطق النائية ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض.
ومنذ عام 1997 حتى 2020، أُحضر 30 ألفا من الفلاشا، منهم نحو 10 آلاف يعيشون في مخيم الانتظار بالعاصمة الإثيوبية (أديس أبابا) حيث سعت الحكومة الإسرائيلية إلى استغلال الصراع بين القوات الحكومية ومتمردي تيغراي لاستقدام يهود “الفلاشا”.
وكانت أبرز عمليات استقدام الفلاشا عام 1984، بحملة خاصة للموساد أطلق عليها “حملة موسية”، استقدم فيها 8 آلاف منهم، تلتها حملات صغيرة جلبت 4 آلاف من منطقة تيغراي، وفي عام 1991 استُقدم 15 ألفا من الفلاشا برعاية ودعم من البيت الأبيض والجالية اليهودية بأميركا.
الهجرة السوفياتية للاستيطان بالضفة
لم يكن استقدام الفلاشا كافيا للتقليل من هواجس إسرائيل الديمغرافية، فبحثت عن مصادر أخرى للهجرة اليهودية، فاستغلت تفكك الاتحاد السوفياتي وفتحت بالتعاون مع الوكالة اليهودية باب الهجرة من دول الاتحاد، وشهدت الأعوام بين 1969-1975 هجرة نحو 100 ألف من اليهود السوفيات إلى إسرائيل.
وفي الأعوام من 1989 إلى 2014 هاجر من دول الاتحاد السوفياتي السابق إلى إسرائيل نحو مليون و100 ألف، بينهم 100 ألف مهندس و20 ألف طبيب و24 ألف ممرض و45 ألف معلم و20 ألف عالم وفنان وموسيقي.
وأسهمت الهجرة اليهودية الروسية في تعزيز المشروع الاستيطاني وتكريس الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية، حيث استوطن 160 ألفا من المهاجرين اليهود الروس في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ويسهمون بتهويد الضفة والاستيطان وإدامة الاحتلال الإسرائيلي.